الضغوط الأمريكية المتصاعدة- إعادة تشكيل نفوذ الشرق الأوسط وتقليم أظفار إيران

المؤلف: صهيب جوهر09.11.2025
الضغوط الأمريكية المتصاعدة- إعادة تشكيل نفوذ الشرق الأوسط وتقليم أظفار إيران

يشهد الشرق الأوسط تصعيدًا مفاجئًا ومتسارعًا، حيث تتأجج التوترات من الأراضي اليمنية وصولًا إلى قطاع غزة المحاصر، في حين يشهد لبنان انقسامات سياسية حادة داخل حكومته التي لم يمض على تشكيلها سوى بضعة أسابيع.

وبتحول لافت عن سياسة الإدارة الديمقراطية في عهد الرئيس جو بايدن، أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب عن شن حملة جوية خاطفة ضد جماعة الحوثيين، بهدف واضح هو تقويض قدراتهم الهجومية. وفي الوقت ذاته، أبدت الإدارة الأمريكية دعمًا لا لبس فيه لتجديد إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة. ويبدو أن هذه الحملة المكثفة من الضغوط تتزامن مع تقديرات الإدارة الأمريكية بأن الظروف الدولية الحالية مواتية لممارسة ضغوط متزايدة على طهران.

وفي خضم هذه التطورات الملحوظة، تشهد العلاقات بين واشنطن وموسكو تحولًا جوهريًا. فالاتصال المطول بين الرئيسين الأمريكي والروسي، الذي استغرق قرابة الساعتين والنصف، يشير إلى أن المحادثات لم تقتصر على الأزمة الأوكرانية فحسب، بل تناولت أيضًا الوضع الأوروبي برمته، والمطالب الروسية في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية، بالإضافة إلى ملف إيران والوضع المتأزم في منطقة الشرق الأوسط.

وعقب هذا الاتصال، صدرت إشارات إيجابية متبادلة من واشنطن وموسكو، وتزامن ذلك مع تسريبات من مصادر أمريكية تفيد بنية واشنطن التخلي عن رئاسة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لصالح دولة أوروبية. هذا التطور يثير التكهنات بوجود اتفاق محتمل بين الطرفين بدأت ملامحه في الظهور.

والأكثر أهمية هو ما صرح به ترامب حول إمكانية إحداث تبادل اقتصادي كبير في حال تحقق السلام في أوكرانيا، وهو ما سيمنح الرئيس بوتين دفعة اقتصادية قوية بعد أن عانت موسكو من وطأة العقوبات الأمريكية والأوروبية، بالإضافة إلى خسارتها للأسواق الأوروبية كمصدر رئيسي لصادرات الغاز، الأمر الذي حرمها من عائدات مالية ضخمة كانت تمول طموحاتها.

تشير هذه المعطيات إلى سعي ترامب الحثيث لتهيئة الساحة الدولية بهدف التفرغ لمواجهة الصعود الصيني المتنامي على الساحة العالمية. ويتزامن ذلك مع استمرار الجيش الأمريكي في إجراء تدريبات عسكرية مكثفة في منطقة المحيط الهادئ، التي تعتبر المنطقة الأكثر حساسية وأهمية في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد. وتشتمل هذه المناورات على مشاركة طائرات مقاتلة متطورة من طراز "الشبح"، والتي يصعب على الرادارات الصينية أو غيرها رصدها، بالإضافة إلى أسلحة صاروخية حديثة، مثل الصواريخ الفرط صوتية التي تعتبر قمة التكنولوجيا العسكرية الأمريكية في مجال الأسلحة الصاروخية.

من المؤكد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه يدركون تمام الإدراك أن إنهاء الحرب الأوكرانية وحده لا يكفي للتفرغ لمواجهة صعود الصين وتوسعها في الأسواق العالمية. والدليل على ذلك هو أن الملف الإيراني، الذي يمثل ثغرة كبيرة في الخطة الأمريكية لمحاصرة التمدد الصيني، لم يتم حله بعد. ذلك لأن الأمر يتطلب إعادة توزيع النفوذ الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وهناك أيضًا مسألة الصادرات النفطية الإيرانية إلى الأسواق الصينية، والتي تحتاجها بشدة القطاعات الصناعية والزراعية الصينية.

وإذا كان التواصل المباشر بين البيت الأبيض والكرملين يشير إلى وجود مقايضات وتفاهمات محتملة ستشمل الملف الإيراني بطريقة أو بأخرى، مما قد يؤدي إلى خسارة إيران لسند دولي مهم، فهناك مؤشرات أخرى على المستوى الإقليمي قد لا تصب في مصلحة النظام الإيراني. ويتجلى ذلك في الدور التركي المتزايد في المنطقة، والذي بدا واضحًا من خلال الصمت الدولي المطبق على اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، والذي لم يواجه حملة دولية منددة به.

وهذا يعني، بشكل أو بآخر، وجود تفاهمات وأدوار تم تكليف تركيا بها، والتي ستمنع توجيه انتقادات واسعة النطاق ضد أنقرة. ويتضح ذلك من خلال الدور الجديد الذي بدأته تركيا في سوريا على سبيل المثال، والذي يرتكز على معادلة جديدة لا تقوم فقط على مبدأ التوازن مع النفوذ الإيراني، بل أيضًا على مبدأ التصدي لتمدده في سوريا ودول المنطقة الأخرى.

وفي المقابل، يشهد المحيط الآخر لإيران تفاهمات عسكرية واقتصادية، من خلال الاتفاقية المرتقبة في مطلع الشهر المقبل بين إسرائيل وأذربيجان، والتي ستسمح بالتنقيب عن الغاز الطبيعي في سواحل فلسطين المحتلة.

وقد أثمرت العلاقة المتينة التي نجحت إسرائيل في ترسيخها مع أذربيجان، الجارة التي تثير قلق إيران، عن إنشاء مقر استخباراتي إسرائيلي بالقرب من الحدود مع إيران، حيث تم تجهيزه بأحدث المعدات اللازمة للرصد والتجسس والاختراق.

وفي السابق، وجه مسؤولون إيرانيون اتهامات لإسرائيل، زاعمين أن جميع الأنشطة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران تنطلق من هذه القاعدة. هذا يعني أن كل تلك المؤشرات ربما شجعت إدارة ترامب على بدء مرحلة الضغوط القصوى على إيران، بهدف إجبارها على الموافقة على التفاوض مع واشنطن وفقًا للشروط التي تطرحها إدارة ترامب، والتي تشمل الملف النووي، وتحديد مدى الصواريخ الباليستية والفرط صوتية، والانسحاب من المناطق التي تعتبر تقليديًا مناطق نفوذ إيراني في المنطقة، وتحديدًا سوريا ولبنان والبحر الأحمر. والأهم من ذلك، أن لهجة الوسطاء مع إيران قد تغيرت، وأصبحت تلوح بشكل مباشر باستخدام أمريكي محتمل للقوة، في ظل رغبة جامحة من جانب نتنياهو في ذلك.

وفي هذا السياق، يمكن ربط التصعيد ضد الحوثيين في اليمن باستئناف نتنياهو للحرب على سكان قطاع غزة بطرق وحشية تفوق كل التخيلات، وأيضًا بتصاعد التوتر في لبنان من خلال عودة الاستهداف في جنوب لبنان والبقاع.

والرابط بين هذه الأحداث ليس التوقيت فحسب، بل أيضًا الأهداف المشتركة التي وضعتها تل أبيب وواشنطن. ورغم أن الهدف المعلن في اليمن هو إزالة قدرة الحوثيين على تهديد الممرات البحرية، فإن الهدف الأساسي هو الحد من النفوذ الإقليمي الإيراني.

من المؤكد أن نتنياهو يسعى إلى استئناف الحرب على غزة لتحقيق مشروع اليمين الإسرائيلي، الذي يهدف إلى تهجير سكان غزة من أرضهم. لكن المطلوب أيضًا هو قطع الارتباط بين طهران والمقاومة الفلسطينية. ولا شك أن لدى نتنياهو أسبابه الداخلية أيضًا، لذلك استبق الحرب بإعلانه عن نيته إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي المعارض له، واستعاد في الوقت نفسه مشاركة اليمين المتطرف في حكومته، لجعلها محصنة من الداخل.

لكن الهدف الأمريكي الأكبر يظل تقليم أظفار إيران الإقليمية. لذلك، يتوقع البعض أن تتصاعد الحملة العسكرية الإسرائيلية تدريجيًا بالتوازي مع تصاعد الحملة الجوية الأمريكية ضد الحوثيين.

وتخشى القوى الفاعلة على خط الوساطة في غزة من أن تتطور الحرب الإسرائيلية لتصبح هجومًا بريًا واسع النطاق، خاصة بعد أن طلبت إسرائيل إخلاء المناطق السكنية المجاورة لحدود قطاع غزة، مثل رفح وخان يونس ومدينة غزة.

وعلى الجبهة اللبنانية، تستمر إسرائيل في اختراق الأجواء اللبنانية بشكل متزايد، وتصعد الأمور من خلال استهداف كوادر حزب الله، مع إصرارها الشديد على البقاء في النقاط الخمس التي تحتلها في الجنوب. وفي المقابل، لجأ حزب الله إلى المناورة من خلال العبث بالساحة السورية، حيث دفع العشائر إلى الهجوم على الجيش السوري وقوات الأمن العام عند نقاط حدودية محددة. وقد تكون أعمال التهريب هي التي أشعلت فتيل المواجهات الأخيرة، لكن استثمارها جاء كبيرًا وبخلفيات أبعد، وسط تلميحات إلى وجود تشجيع من إحدى الدول الإقليمية المتضررة من سقوط نظام الأسد.

والهدف السوري، المدعوم إقليميًا ودوليًا، هو إغلاق مسارب التهريب الموجودة في المنطقة، والتي تم إنشاؤها خلال المراحل السابقة ولا تزال تعمل، ولو بوتيرة أضعف، لتأمين التواصل بين حزب الله وإيران بأشكال يصعب كشفها.

من هنا، يمكن تفسير الرد الإيراني الرسمي على الاشتباكات التي دارت، خاصة وأن الحل المنطقي المطروح هو أن يمسك الجيش اللبناني بالحدود والمعابر غير الشرعية، وأن يضبط الوضع ويمنع أي احتكاكات أو اشتباكات يمكن أن تتطور وتنزلق في اتجاهات خطيرة، لأن اللعبة هنا لها علاقة بالنزاع الكبير في المنطقة، وليست مجرد صراع بين عشائر تعمل في التهريب.

وعليه، فإن القلق يكمن في احتمال تطور الضغوط لتأخذ أشكالًا أمنية في حال لم يتحقق الهدف العسكري المنشود. وهناك أصوات داخل الإدارة الأمريكية ترى أن الاستهدافات الأمنية التي اعتمدتها إسرائيل، من خلال الاغتيالات السياسية لرموز المقاومة، قد أدت إلى النتائج المرجوة؛ فمن جهة، تم اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله وقادة الرضوان، ومن جهة أخرى، تم تنفيذ حملة اغتيالات وتصفيات إيرانية في سوريا. ويعتقد أصحاب هذا التوجه في إدارة ترامب أن استهداف القادة التاريخيين في لبنان أو في إيران أو في اليمن قد يؤدي إلى تغيير المعادلة بشكل جذري في منطقة الشرق الأوسط.

وهنا تكمن الخطورة الحقيقية، خاصة وأن هؤلاء يعتبرون أن نجاح ترامب في اغتيال قاسم سليماني قد وجه ضربة قوية لهذا المشروع في ذلك الوقت. بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف الدولية وحتى الإقليمية تبدو مواتية للتحرك في هذا الاتجاه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة